بقلم الباحث السياسي جواد سلهب
لم يعد سرّاً أن بنيامين نتنياهو يعيش واحدة من أعقد لحظات مسيرته السياسية. الرجل الذي غادر أمريكا مثقلاً بالعزلة والفضيحة، وهو يشاهد قاعة الأمم المتحدة تُفرغ من ممثلي الدول لحظة اعتلائه المنصة، لا يمكن أن يعود بخفيّ حنين. إن غروره السياسي، وهاجسه الشخصي في تثبيت زعامته، سيدفعانه حتماً للبحث عن ساحة جديدة يسجل فيها ما يراه «انتصاراً» يعيد له شيئاً من الاعتبار.
ومن بين كل الجبهات، تبدو الضفة الغربية هي الهدف الأسهل والأخطر معاً. فالعدوان على غزة، رغم وحشيته، لم يحقق لإسرائيل «الردع المطلق» الذي وعد به نتنياهو. أما الضفة، فهي الخاصرة الرخوة التي يحلم منذ عقود بضمها، كما صرّح في كتابه مكان تحت الشمس الذي جعله خارطة طريق لمشروعه السياسي.
أي حديث عن «وقف العدوان» أو «هدنة إنسانية» ليس سوى غطاء دخاني؛ فالرجل سيعود بعقلية مَن يبحث عن تعويض خسائر سياسية عبر الدم الفلسطيني. وما يعزز هذا السيناريو هو سيل الاعترافات الدولية بالدولة الفلسطينية، والذي سيقرأه نتنياهو على أنه تحدٍّ مباشر لمشروعه الصهيوني. والردّ، وفق منطقه، لن يكون سوى بمزيد من التهويد والاستيطان والقبضة الأمنية على الضفة.
إن خطورة المرحلة لا تكمن في خطوات نتنياهو وحده، بل في الفراغ العربي الذي لم يتجاوز حدود البيانات الباهتة. يدرك نتنياهو أن الأنظمة العربية عاجزة عن الفعل، وأن الشارع الفلسطيني والعربي هو الوحيد القادر على خلط الأوراق. لذلك سيحاول الاستفراد بالضفة وهو مطمئن إلى أن أقصى ما سيواجهه من الحكام العرب هو عبارات شجب واستنكار.
لكن حساباته قد تنقلب عليه. فالضفة ليست مساحة صامتة كما يظن. تراكم الغضب، وتجذر روح المقاومة، وتحوّل التجربة الغزّية إلى مصدر إلهام، كل ذلك يعني أن أي محاولة لاجتياح أو فرض وقائع جديدة ستُفتح أبواب مواجهة شاملة لا يمكن لإسرائيل ضبط مسارها.
إننا أمام لحظة فارقة: إما أن تتحول الضفة إلى ساحة انتفاضة ثالثة تُفشل المشروع الصهيوني في مهده، أو تُترك فريسة لمخططات نتنياهو الذي يحاول أن يصنع لنفسه «مكاناً تحت الشمس» على جماجم الفلسطينيين.